سورة القيامة - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القيامة)


        


{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} في صدرِك بحيثُ لا يذهبُ عليكَ شيءٌ مِنْ معانيهِ {وَقُرْءانَهُ} أي إثباتَ قراءتِه في لسانِكَ {فَإِذَا قرأناه} أي أتمَمنا قراءتَهُ عليكَ بلسانِ جبريلَ عليهِ السَّلامُ وإسنادُ القراءةِ إلى نونِ العظمةِ للمبالغةِ في إيجابِ التأنِّي {فاتبع قُرْءانَهُ} فكُن مقفّياً لَهُ ولا تراسلُه {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} أي بيانَ ما أشكلَ عليكَ من معانيهِ وأحكامِه {كَلاَّ} ردعٌ لهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عن عادةِ العجلةِ وترغيبٌ لهُ في الأناةِ وأكَّد ذلكَ بقولِه تعالَى: {بَلْ تُحِبُّونَ العاجلة * وَتَذَرُونَ الأخرة} على تعميمِ الخطابِ للكُلِّ أيْ بَلْ أنتُم يا بنِي آدمٍ لما خلقتُم مِنْ عجلٍ وجبلتُم عليهِ تعجلونَ في كُلِّ شيءٍ ولذلكَ تحبونَ العاجلةَ وتذرونَ الآخرةَ وقيلَ: كَلاَّ ردعٌ للإنسانِ عنْ الاغترارِ بالعاجلِ فيكونُ جمعُ الضميرِ في الفعلينِ باعتبارِ مَعْنى الجنسِ ويؤيدُه قراءةُ الفعلينِ على صيغةِ الغيبةِ {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} أيْ وجوهٌ كثيرةٌ وهيَ وجوهُ المؤمنينَ المخلصينَ يومَ إذْ تقومُ القيامةُ بهيةٌ متهللةٌ يشاهدُ عليهَا نضرةُ النعيمِ علَى أنَّ وجوهٌ مبتدأٌ وناضرةٌ خبرُهُ ويومئذٍ منصوبٌ بناضرةٌ، وناظرةٌ في قولِه تعالَى: {إلى رَبّهَا نَاظِرَةٌ} خبرٌ ثانٍ للمبتدإِ أو نعتٌ لناضرةٌ وإلى ربِّها متعلقٌ بناظرةٌ، وصحةُ وقوعِ النكرةِ مبتدأً لأنَّ المقامَ مقامُ تفصيلٍ لاَ على أنَّ ناضرةٌ صفةٌ لوجوهٌ والخبرُ ناظرةٌ كمَا قيلَ لما هُو المشهورُ مِنْ أنَّ حقَّ الصفةِ أنْ تكونَ معلومةَ الانتسابِ إلى الموصوفِ عندَ السامعِ وحيثُ لمْ يكُنْ ثبوتُ النضرةِ للوجوهِ كذلكَ فحقُّه أنْ يخبَر بهِ ومَعْنى كونِها ناظرةً إلى ربِّها أنَّها تراهُ تعالَى مستغرقةً في مطالعةِ جمالِه بحيثُ تغفلُ عَمَّا سواهُ وتشاهدُه تعالَى بلا كيفٍ ولا على جهةٍ وليسَ هذا في جميعِ الأحوالِ حَتَّى ينافيَهُ نظرُهَا إلى غيرِه وقيلَ: منتظرةٌ إنعامَهُ ورُدَّ بأنَّ الانتظارَ لا يسندُ إلى الوجْهِ وتفسيرُه بالجملةِ خلافُ الظاهرِ وأنَّ المستعملَ بمعناهُ لا يُعدَّى بإلى.


{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} شديدةُ العبوسِ وهيَ وجوهُ الكفرةِ {تَظُنُّ} يتوقعُ أربابُها {أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} داهيةٌ عظيمةٌ تقصمُ فقارَ الظهرِ.
{كَلاَّ} ردعٌ عنْ إيثارِ العاجلةِ عَلى الآخرةِ أيْ ارتدعُوا عنْ ذلكَ وتنبهُوا لما بينَ أيديكُم منَ الموتِ الذي ينقطعُ عندَهُ ما بينكُم وبينَ العاجلةِ منَ العلاقةِ {إِذَا بَلَغَتِ التراقى} أيْ بلغتْ النفسُ أعاليَ الصَّدرِ وهيَ العظامُ المكتنفةُ لثغرِه والنَّحرِ عنْ يمينٍ وشمالٍ {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} أيْ قالَ مَن حضرَ صاحبَها مِنْ يرقيهِ وينجيهِ مما هُو فيهِ مِنَ الرقيةِ وقيلَ: هُو مِنْ كلامِ ملائكةِ الموتِ أيكُم يَرقَى بروحِه ملائكةُ الرحمةِ أو ملائكةُ العذابِ مِنَ الرُّقِيِّ {وَظَنَّ أَنَّهُ الفراق} وأيقنَ المحتضرُ أنَّ ما نزلَ بهِ للفراقِ مِنَ الدنيا ونعيمِها {والتفت الساق بالساق} والتفتْ ساقُه بساقِه والتوتْ عليهَا عندَ حلولِ الموتِ وقيلَ: هُما شدةُ فراقِ الدُّنيا وشدةُ إقبالِ الآخرةِ وقيلَ: هما ساقاهُ حينَ تلفانِ في أكفانِه {إلى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ المساق} أيْ إلى الله وإلى حكمِه يساقُ لا إلى غيرِه {فَلاَ صَدَّقَ} ما يجبُ تصديقُه منِ الرسولِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ والقرآنِ الذي نزلَ عليهِ أو فلاَ صدقَ مالَه ولا زكَّاهُ {وَلاَ صلى} ما فُرضِ عليهِ والضميرُ فيهمَا للإنسانِ المذكورِ في قولِه تعالَى: {أَيَحْسَبُ الإنسان} وفي دلالةٌ على أنَّ الكفارَ مخاطبونَ بالفروعِ في حَقِّ المؤاخذةِ كما مَرَّ {ولكن كَذَّبَ} مَا ذُكرَ منَ الرسولِ والقرآنِ {وتولى} عنِ الطاعةِ {ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يتمطى} يتبخترُ افتخاراً بذلكَ منَ المطِّ فإن المتبخترَ يمد خطاهُ فيكونُ أصلُه يتمططُ أو منَ المَطَا وهو الظهرُ فإنَّه يلوذُ بهِ.


{أولى لَكَ فأولى} أيْ ويلٌ لكَ وأصلُه أَوْلاَكَ الله ما تكرهُه واللامُ مزيدةٌ كمَا في {رَدِفَ لَكُم} أوْ أَوْلى لكَ الهلاكُ وقيلَ: هُو أفعلُ منَ الويلِ بعدَ القلبِ كأدْنى من دُون أو فَعْلى من آلَ يؤولُ بمَعنى عقباكَ النارُ {ثُمَّ أولى لَكَ فأولى} أيْ يتكررُ عليهِ ذلكَ مرةً بعدَ أُخْرَى.
{أَيَحْسَبُ الإنسان أَن يُتْرَكَ سُدًى} أيْ يخلى مُهملاً فلاَ يكلَّفُ ولا يُجزى وقيلَ: أنْ يتركَ في قبرِه ولا يبعثَ وقولُه تعالَى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مَّنِىّ يمنى} الخ، استئنافٌ واردٌ لإبطالِ الحسبانِ المذكورِ فإنَّ مدارَهُ لمَّا كانَ استبعادُهم للإعادةِ استدلَّ على تحققِها ببدءِ الخلقِ {ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً} أيْ بقدرةِ الله تعالَى لقولِه تعالَى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً} {فَخَلَقَ} أي فقدرَ بأنْ جعلَها مضغةً مخلقةً {فسوى} فعدَّلَ وكمَّل نشأتَهُ {فَجَعَلَ مِنْهُ} منَ الإنسانِ {الزوجين} أيِ الصنفينِ {الذكر والأنثى} بدلُ الزوجينِ {أَلَيْسَ ذَلِكَ} العظيمُ الشأنِ الذي أنشأَ هَذا الإنشاءَ البديعَ {بِقَادِرٍ على أَن يُحْىِ الموتى} وهُو أهونُ من البدءِ في قياسِ العقلِ.
رُوي أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذَا قرأَها قالَ: «سُبْحانكَ بَلَى». وعنْهُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قرأَ سورةَ القيامةِ شهدتُ لَهُ أنَا وجبريلُ يومَ القيامةِ أنَّه كانَ مُؤمناً بيومِ القيامةِ».

1 | 2